تعرّف على مزايا استخدام نسبة معيّنة من دماغك فقط وفقا للدراسات

تعرّف على مزايا استخدام نسبة معيّنة من دماغك فقط وفقا للدراسات


"كل ما نقوم به وكل فكرة لدينا ينتجها الدماغ البشري. لكن طريقة عمله بالضبط لا تزال إحدى أكبر الألغاز التي لم يتم اكتشافها بعد، ويبدو أننا كلما تعمّقنا في أسرارها، وجدنا المزيد من المفاجآت." - نيل دي جراس تايسون

إن دماغ الإنسان معقد وغامض في نفس الوقت وهذا هو سبب وجود العديد من المغالطات المتعلقة بوظائفه. دعونا نلقي نظرة فاحصة على قدرة الدماغ البشري وكيف لا يمكننا استخدام 100 في المائة منه، ولماذا يعتبر هذا شيء جيد.

هناك ادعاء شائع بأن البشر يستخدمون 10 في المائة فقط من الدماغ وذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة ولكن هذا لا يعني أننا نستخدم 100 في المائة منه أيضًا.

وجدت بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن أكثر من 20 بالمائة من الخلايا العصبية ليس لها غرض محدد، واستنتج بعض الباحثين أن أكثر من 60 في المائة من الدماغ يتكون من مادة عصبية مظلمة أو خلايا عصبية ليس لها هدف واضح ويبدو أنها لا تستجيب لأي من التفاعل معها.


نظرية استخدامنا لـ10 بالمائة فقط من الدماغ


"بدأت حياة الحيوانات على الأرض منذ ملايين السنين، ومع ذلك فإن معظم الأنواع تستخدم فقط ثلاثة إلى خمسة بالمائة من قدراتها الدماغية." - الأستاذ نورمان (مورجان فريمان) في فيلم لوسي عام 2014

فيلم لوسي مشهور وبالأحرى سيئ السمعة لأنه طرح فكرة كوننا نحن البشر نستخدم فقط 10 بالمائة من أنسجة المخ. ومن خلال مجموعة متنوعة من اختراعات الخيال العلمي، تمكنت الشخصية الرئيسية التي تحمل الاسم نفسه للفيلم والتي لعبت دورها سكارليت جوهانسون من زيادة استخدام دماغها بشكل جذري من 10 في المائةحتى وصلت في النهاية إلى 100 في المائة.

وقد وضّح المخرج لوك بيسون أن فيلمه عبارة عن خيال يعتمد على القليل من العلم، إن وجد. يقدم الفيلم بالتأكيد نظريته الخاصة بكون توسيع نشاط الدماغ أكثر من المستويات الطبيعية، ناهيك عن وصوله إلى نسبة 100 في المائة ولكن ذلك يأتي مع سلبيات خطيرة وقد ظهر ذلك من خلال السلوكات العدوانية التي تشكلت في الشخصية التي جسدتها جوهانسون مع توسع نشاط دماغها. وكما سنرى، هناك أسباب علمية جيدة لكون النمط الطبيعي لنشاط أدمغتنا ليس عاليا.

ومع ذلك، فقد استخدم العديد من الكتاب الفيلم كفرصة لفضح مغالطة استخدامنا فقط 10 ٪ من عقولنا التي أكّدها الفيلم، مصحّحين أننا نستخدم كل الدماغ تقريبًا طوال الوقت. وقد صرّح طبيب أعصاب بارز من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز أننا "نستخدم تقريبًا كل جزء من الدماغ ... وأن معظم الدماغ نشط طوال الوقت تقريبًا."

ولكن الحقيقة أن هذا الادعاء غير دقيق أيضًا.


فمع تطور الدراسات، ثبت أننا نستخدم أكثر من 10 بالمائة من الخلايا العصبية. ورغم ذلك، فإن المجموع قد يكون أقل بكثير من 100 في المائة. وتعتمد الاحتمالات هنا بصعوبة إجراء قياسات عالية الدقة للنشاط في العديد من الخلايا العصبية، إذ يصعب تسجيل ذلك أيضا لدى الحيوانات غير العاقلة مثل الفئران، ولدى البشر يكاد يكون الدقيق مستحيلًا.

ومنذ وقت قريب، تمكن الباحثون قياس بعض العشرات فقط من الخلايا العصبية بدقة و نادرًا بضع المئات أو الآلاف منها. ورغم ذلك، فإن علماء الأعصاب يحرزون تقدمًا كبيرًا.

في عام 2020، نشر فريق كبير بقيادة ساسكيا دي فريس من معهد ألين لعلوم الدماغ ورقة بحثية ضخمة قدمت تقديرات دقيقة لأنماط النشاط العصبي في دماغ الفأر، إذ قاموا بقياس النشاط العصبي عبر مناطق عديدة من القشرة الدماغية المرتبطة بالرؤية وتمكنوا من تسجيل نشاط مفصل في 60000 خلية عصبية بطريقة مذهلة.

ونظرا لوجود مئات الملايين أو المليارات من الخلايا العصبية، فقد يبدو أنّ 60.000 خلية ليس عينة ضخمة. ولدى الفئران يشكل ذلك أقل من 0.1 في المائة من الدماغ، ومن الواضح أن الفئران أصغر كثيرًا منا وأقل تطورًا.


لماذا لا نستخدم تصوير الدماغ بدلا من ذلك؟


المشكلة هي أن تقنيات تصوير الدماغ مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تفتقر إلى الدقة اللازمة، إذ تلخص النشاط لدى عدد كبير من الخلايا العصبية وعلى مدى فترات زمنية طويلة نسبيًا.

وفي تجربة نموذجية للرنين المغناطيسي، توافقت بيانات النشاط الدماغي مع الاستجابات العصبية في مناطق يبلغ طولها حوالي 1 ملم ويحتوي كل 1 ملم من مناطق الدماغ على مئات الآلاف أو الملايين من الخلايا العصبية. ولذلك غالبًا ما تعتبر بيانات ونتائج التصوير الدماغي كدليل على مغالطة استخدامنا لـ100٪ من الدماغ إذ يُقال أن كل منطقة صغيرة تقريبًا نشطة والدماغ كله يضيء!

ولكنّ الحقيقة هي أن تغيّر نمط نشاط جزء معيّن من الدماغ عندما "يضيء" بطيء جدا إذ يتوافق مع تغير إشارة التصوير بنسبة قليلة جدا. ويمكن أن يكون سبب "الإضاءة" هو وجود عدد نسبي من الخلايا العصبية داخل منطقة معينة نشطة للغاية. ويمكن أن يؤدي هذا الموقف في لحظة معينة إلى كون العديد من الخلايا العصبية هادئة، وبالتالي ينتج عنها نشاط أقل بكثير من 100 بالمائة. وبهذه الطريقة لا يمكن معرفة ما إذا كانت هناك بعض الخلايا العصبية التي لا تنشط أبدًا.

الأبحاث الأكثر دقّة


حقق فريق أبحاث الدكتورة ليندا دي فرايس نتائج أكثر دقة، إذ استخدم التقنيات المتطورة للتصوير العصبي والتي تتطلب كشف أنسجة المخ جراحيًا وتمكّننا من رؤية ما يحدث في الدماغ بالفعل. ووجد أن ما يقرب من 23 بالمائة من الخلايا العصبية في الدماغ البصري لا تستجيب لأي منبهات بصرية. وتضمن تحفيزها استخدام مجموعة متنوعة من المشاهد الطبيعية من جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى الأفلام الطبيعية، و أيضًا مجموعة متنوعة من الصور الاصطناعية.

وكان كل ذلك بلا جدوى بالنسبة لـ 23 في المائة من الخلايا إذ كانت ترتفع بين الحين والآخر ولكن ليس بأي طريقة منهجية. ولم تهتم هذه الخلايا بالحركة أو السطوع أو التباين أو بأي شيء آخر. إذا لم يكن لديها هدف محدد، فهل يمكننا حقًا أن نقول أننا "نستخدمها"؟

من الممكن أن تكون هذه الخلايا العصبية الهادئة قد استجابت لبعض الصور أو الأفلام الخاصة التي لم يتم عرضها. ورغم كونها خلايا عصبية بصرية، فقد يستجيب بعضها لأنواع أخرى من المنبهات مثل الرائحة القوية أو الصوت العالي. ولكن أفضل ما يمكننا قوله الآن أن ما يقرب من ربع الخلايا العصبية في الجهاز الدماغي الحرج لا تفعل سوى القليل.

وهذا النمط لا يقتصر بأي حال من الأحوال على الخلايا العصبية البصرية، إذ سجلت دراسة أصغر لكنها مثيرة للإعجاب الخلايا العصبية في جزء من القشرة المسؤولة عن السمع لدى الفئران، ووجدت أن حوالي 10 في المائة فقط من الخلايا العصبية تستجيب للمنبهات الصوتية. ومرة أخرى ظهر أن بقية الخلايا قد تستجيب لبعض الأصوات الغريبة أو للضوء المتساقط على العينين أو لملامسة الجلد أو أي شيء آخر، لكن حجم الخلايا العصبية غير المستجيبة يشير إلى أن جزءًا كبيرًا من الدماغ يكون هادئًا في الغالب. وقد عرف علماء الأعصاب هذه النقطة لفترة طويلة ولكن في كثير من الحالات لم تُذكر الخلايا العصبية غير المستجيبة في دراسات التسجيل.

وقام باحثون آخرون باستنتاج تقديرات عالية جدًا للخلايا العصبية الهادئة أو الصامتة. إذ استخدم عالم الأحياء العصبية ساك أوفسيبيان تقارير سابقة لكون نسبة ما يسمى "المادة المظلمة العصبية" يمكن أن تصل من 60 إلى 90 بالمائة وقد يتوافق هذا التقدير نسبيا مع فكرة استخدامنا لـ10 بالمائة فقط من الدماغ والتي طرحت في فلم لوسي.


لماذا يمتلك الدماغ الكثير من الخلايا العصبية عديمة الفائدة؟ أليس هذا مضيعة للوقت؟


ابتكر علماء الأحياء التطورية تفسيرًا لظاهرة المادة المظلمة العصبية على أسس داروينية. وتتمثل الفكرة في كون الخلايا العصبية التي لا تستجيب أبدًا لم تعد تخضع لقوى انتقائية ومن شأنها أن تؤثر على أصحاب الخلايا العصبية الزائدة. وباتباع هذا المنطق، لا يمكن التخلص من الخلايا العصبية المظلمة، وقد يتم استدعاءها في حالة تلف الدماغ، كما يمكن أن تكون مفيدة أيضًا بالتطور إلى خلايا نشطة حين تواجه تحديات جديدة.

يجدر التأكيد على أن التقدير العالي لكمية المادة المظلمة لا يفترض أن الخلايا العصبية الهادئة متجمعة معًا، لتشكل مساحات كبيرة نائمة في دماغك. وبدلاً من ذلك تتخللها خلايا عصبية نشطة في جميع أنحاء القشرة الدماغية وفي أجزاء أخرى من الدماغ.

وبغض النظر عن كيفية توزيعها ونظرا لبناء الدماغ وخاصة إذا كان حجمه تناسبا مع حجمنا، فإن أدمغتنا لا يمكن أن توجد بكون أكثر من نصف الخلايا العصبية الهادئة تماما. ولذلك أكثر الأبحاث دقة التي قام بها فريق دي فريس التي ذكرناها أثبتت أن 77 في المائة من الخلايا العصبية البصرية التي قاموا بقياسها كانت مفيدة ونشطة. ومع ذلك فهي لم تكن تستجيب طوال الوقت أو حتى طوال الوقت تقريبًا. وبدلاً من ذلك كانت ردودها متفرقة.

العلوم العصبية مازالت تتقدّم يوما بعد يوم وتكشف عن الأسرار الكامنة للدماغ البشريّ، ولكن حتى الآن يمكننا تأكيد أن الدماغ يستخدم أكثر بكثير من مجرد 10 في المائة من خلاياه، وأن ذلك يحافظ على توازن نشاطنا واعتداله.

إرسال تعليق

Post a Comment (0)