روتين يوم من أيام الآحاد..

 


من زاوية بعيدة في السماء أطلت الشمس خجلة مجردة من حرارتها، فانتشر نورها ابيض شاحب مختلط بزخات الندى الخفيف الذي بدأ يتساقط في أرجاء المكان. احتسيت كوبين من القهوة في مقهى رويال لكن دون فائدة، مايزال الصداع يحتل جزء من رأسي.

إذًا سأتريض قليلا قبل بدء برنامجي اليومي المكثف، مايزال أمامي متسع من الوقت؛ نصف ساعة كافية للتخلص من خمول النعاس، كافية جدا قبل الدخول في ماكينة العمل التي لا تنتهي.

ما إن بدأت في الركض حتى رأيت معاذ، ناديته فارتسمت إبتسامة عرفان على وجهه وكأنه يشكرني في صمت بعدما سلمته الظرف، ودعته و انا أشد على يده. في طريقي إلى المنتزه عصف الهواء البارد بوجهي و انا أمارس بعض الحركات الإحمائية، بدأ البرد يغزو عظامي بقسوة؛ آه! برودة الطقس هنا لا تحتمل! يبدو أن الأمطار ستهطل عما قريب..

في نهاية المسار و انا في طريق العودة رأيت شباباً يتحلقون حول نار اشعلوها للتدفئة، تجاهلتهم و انا متجه صوب الحي، فإذا بصديق قديم يناديني للإستدفاء معهم.

خطوات قليلة نحو النار اشعرتني بدفء جميل يسري في أطرافي، جلست مسترخيا شرد ذهني مع النيران المتراقصة، تمنيت لو يستمر ذلك الدفء اطول مدة ممكنة، ناولني الصديق صحن طعام و كوب شاي دافىء وهو يسأل بعدما شاهد مقطع على اليوتيوب يوثق للحرب الدائر رحاه بين أرمينيا و أذربيجان، أراني لقطة فيديو حيث الدمار بعد دوي الإنفجار الهائل الذي لاحت من خلاله صور أشلاء جثث متناثرة في كل مكان، خصوصا منظر أطفال بين الضحايا تقشعر لها الأبدان لون الدماء في الأرجاء يصبغ موضع الجريمة، نحن هنا نقف على أعتاب ما قد يكون اقتتال بالمدرعات بين أطراف الصراع على اقليم كرفاخ..

انظر! ضحاياه كلهم أبرياء، قلت محدق في اللهيب المتطاير بعدما سألني وهو منفطر القلب:

"متى ينتهي العالم من الحرب؟"

أجبته متأثرا:

"الحرب هي اختراع بشري كامل، الحرب هي نبوءة الملائكة للرب، الحرب هي النار التي لا تستطيع إخمادها قبل ان تحرقك، عبدها البشر لبطشها مثلما عبدوا الأفاعي و الأٌسود، صنعوا لها الأرباب و بنو لها المعابد، رفعوا لها الصلوات رهبة و تحسبا ، الحرب ابدا لن تنتهى يا صديق..." 

لأول مرة أشعر أن لي رغبة في حكي دون إنقطاع سؤال آخر؛ لو خيرت ان تقضي حياتك في جزيرة منعزلة و ان تختار كاتبا يشاركك الحياة فمن تختار ؟ أجبت بدون أدنى شك "ارنست همنغواي" كل حرف كتبه ذلك الرجل كان يقطتعه من روحه، سأضع قدمك على طريق التعرف على أعماله و عليك انت استكماله؛ أختار لك بدءا كتاب "العجوز و البحر" و بعده ايقونة "لمن تقرع الأجراس".

ودعت الشاب معتذرا بعدما وخزني ضميري لما ينتظرني من مهمات لا تقبل التأجيل، وما إن دخلت إلى المنزل حتى سمعت رنين هاتفي يعلو معلنا عن اتصال من البرفسور أحمد الذي دعاني لمرافقته إلى المركب و بعده تناول العشاء في المطعم الصيني و نقاش بعض أفكار إجتماع الغد ، انهيت الاتصال موافقا و أخذت نفسا عميقا ثم دخلت للإستحمام مستعجلا ..

إرسال تعليق

Post a Comment (0)