قوّة كلمة لا


"عن طريق قول "لا" فقط تكون قادرا على التركيز على الأشياء المهمّة حقّا."ستيف جوبز. 
"لا" كلمة قصيرة و بسيطة. رغم ذلك، يصعب جدّا إستخدامهابالنسبة لبعض النّاس. و خاصّة يصعب على الذين يسعون وراء إرضاء الناس قول كلمة "لا" للنّاس الذين يريدون إثارة إعجابهم. هذا مؤسف، لأنّ القدرة على قول كلمة "لا" لا يساعدنا على عدم القيام بأشياء لا نريد أن نقوم بها فقط، بل يساعدنا أيضا على إتخاذ قرار تجاه الإلتزام أو عدم الإلتزام بمهمّة و تحقيق أهداف معيّنة. إضافة إلى ذلك، تساعدنا كلمة "لا" على الحفاظ على قيمنا و مبادئنا. تكمن قوّة كبيرة في كلمة "لا"، و من أجل السيطرة على هذه القوّة و إستخدامها عليك أن ترى تأثيرات كلمة "لا" و كيف أنّه يمكن أن يجعل  إستخدامها أكثر و بالطرق الصحيحة حياتنا أفضل.
يبرز هذا المقال قوّة كلمة "لا".
نحن نمتلك درجة معيّنة من الإرادة الحرّة في الحياة، يمكن أن تلخّص الإختيارات التي يمكننا أن نتّخذها في كلمتين "نعم" و "لا". من وجهة النظر الثنائيّة هذه، قول كلمة "نعم" من أجل شيء ما يعني دائما  قول كلمة "لا" لشيء آخر، لأنّ القول المتعمّد لكلمة "لا" لشيء آخر يفرض سعينا وراء قبول شيء معيّن. و في هذه الحالة، نعقد إلتزاما و نقرّر أن نركّز على مهمّة، و نبقى وفيّين لها لمقدار معيّن من الوقت، أو حتّى مدى الحياة. الإلتزام بالزواج هو أفضل مثال على ذلك. عن طريق قول "نعم" نقول تلقائيا"لا" للخيانة. رغم أنّه بالنسبة لبعض الناس قول كلمة "لا" للخيانة ليس أمرا صعبا، إلّا أنّه بالنسبة لآخرين تضحية.
يمكننا قول كلمة "لا" بإصرار، مهما كان يحرمنا ذلك من متع، من أن نستمتع بشيء ما يعتبر في العديد من الثقافات  مقدّسا. هو إرتباط بين شخصين و بإمكانه أن يكون شيئا جميلا، لكن بالطبع أن تكون ناجحا في دراستك و متخرّجا من الجامعة شيء جميل أيضا. 
يمكن أن يعتبربالنسبة للكثيرين، الإستمتاع بالحريّة، و قضاء الوقت في إنعزال، و عدم الحاجة للإلتزام بشخص ما  شيئا مقدّسا كذلك. يتطلّب الحفاظ على هذا النّمط الحياتي أيضا منّا قول كلمة "لا" ليس للعلاقات فقط بل للمعايير الإجتماعيّة أيضا.
قوّة كلمة "لا" هي الرّكيزة التي تحافظ على الشيء المقدّس الخاص بك. عندما تتدمّر تلك الركيزة ينهار معها المقدّس. لذلك إن إستخدم آدم و حوّاء قوّة كلمة "لا"، كانا ليتركا تلك الثمرة و لعاشا إلى يومنا هذا في الجنّة. يشبه الإثم الأبدي ما يفعله الكثير منّا: نحن لا نقدر على قول "لا" للمتع السريعة، و بذلك ندمّر فرص حصولنا على ما نريده حقّا على المدى الطّويل. لذلك، إن لم تضحّي من أجل ما تحبّ، سيكون ما تحبّه هو ما تضحّي به. يفتح قول كلمة "نعم" أبوابا و فرصا، لكن قول"لا" يضع حدودا تحمي موافقتنا على أشياء أخرى. يقول البوذيّ "لا" حيال الرغبة في الأشياء الخارجيّة ليضع حدّا للمعاناة التي يمكن أن يسبّبها ذلك. يقول الرّياضيّ "لا" لطريقة غير صحيّة في التعامل مع الحياة لكي يستطيع أن يكون ممتازا في الرياضة. يقول رائد الأعمال "لا" للإلهاءات، لكي يستطيع أن يركّز على بناء و تطوير شركته. تعني كلمة "لا"، في الكثير من الحالات، "لا" لأنفسنا، لكي نكون أقوى من رغباتنا، و لنؤجّل المتعة أو نقصيها تماما، و نتخلّى عن حلم ما لكي نستطيع تحقيق آخر. و بالتالي، يعني التحكّم بأنفسنا إتقان قوّة التحكّم في كلمة "لا". في الواقع، قول كلمة "لا" لرغباتنا مهمّ بقدر قولنا كلمة "لا" لرغبات أناس آخرين. عدم قدرتنا على قول "لا"، يتيح لأناس آخرين الفرصة لإستغلالنا، و إقتحام وقتنا و بالتالي يكونون متحكّمين بمصيرنا.
عندما نقول لهم "نعم"، من المرجّح أن نقول "لا" لأنفسنا و نضع أنفسنا في خدمة مصلحتهم. و بالتالي، نقول "لا" لأحلامنا لنحقّق أحلام شخص آخر، أو نساعد شخصا ما ليس لأنّنا نريد ذلك أو لأنّ مساعدتنا له تتماشى مع قيمنا بل لأنّنا ببساطة لا نستطيع أن نقول"لا". ليس من السهل أن نقول "لا" للآخرين، فنحن مبرمجون لنقوم بما يقوله الناس، و لننفّذ رغباتهم، و لنتّبع الجميع و نضع إحتياجاتنا و آمالنا و رغباتنا جانبا من أجل شخص آخر.
 قد نتعرّض أيضا إلى المقاومة عندما نقول "لا" في صورة حجج  أو غضب حتّى. قد ينظر إلينا الشخص بطريقة غريبة، أو يحتقرنا، أو يرفضنا، أو يهدّد بإنهاء العلاقة إن لم ننفّذ ما أراده. لكن هل نريد حقّا أن نحافظ على صداقة إستغلاليّة بسبب حاجتنا لأشخاص يعجبون بنا أو بسبب خوفنا من أن نكون وحيدين؟ يبدو الأمر سخيفا، لكن الخوف من الرّفض و الإحتقار و الإهمال و الوحدة هو غالبا ما يكون السبب الذي يجعل الناس خائفين من قول كلمة "لا".
من جهة أخرى، سيحترم الأشخاص الذّين يهتمّون حقّا لأمرنا رفضنا، لكنّ المستغلّين سيختفون من حياتنا. إذا، يقوم قول "لا" بفرز العلاقات الجيّدة من السيّئة. الجانب السلبي في هذا هو أنّ قول "لا" يكون غالبا غير مريح، ومؤلم و يجعلنا نشعر بالذّنب حتّى. رغم ذلك، يمكن أن تكون لعدم رفض القيام بالأشياء غير المريحة  بفضل كلمة "لا" نتائج مريعة على المدى الطويل. لا يسبب ذلك كسر حدود و خسارة وقت و عدم إستجابة لرغباتنا فقط، بل بإمكانه أن يسبب شعورنا بالإستياء و النقمة حتّى. و بالتالي، يمكن أن نصبح عدائيين تجاه الأشخاص الذي يتحكمون بحياتنا و عندما ندرك بأنّهم يقومون بذلك لأنّنا نسمح لهم، نغضب من أنفسنا كذلك. يحدث ذلك أيضا عندما نستمرّ في إفساد حياتنا و فرصنا عن طريق قول "لا" لإختيارات حياتيّة بسيطة و ننجرّ شيئا فشيئا نحو حياة لا نريدها نتيجة عن قولنا " نعم" لأشياء كثيرة و عدم قولها من أجل شيء نريده حقّا. ثمّ ندرك سريعا أنّ الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحلقة المفرغة تكون عن طريق تبنّي كلمة "لا" و أخذها بعين الإعتبار لكي نتمكّن من التخلّص من العلاقات الإستغلاليّة و مجموعة الأصدقاء السامّين، و المعتقدات، و العادات، و الإدمان و كلّ الأشياء التي تحول دون تقدّمنا و تحرمنا من الحصول على حياة سعيدة.
"لا" هي جملة كاملة. هذا يعني أنّنا لسنا مجبرين على تفسير قولنا ل"لا لأيّ أحد، رغم أنّه في بعض المواقف يكون من الأفضل أن نقوم بذلك. كأشخاص راشدين، علينا أن نقول "لا" مهما كانت طريقة إستجابة الطرف المقابل لذلك. هذه هي النعمة التي تأتي من تحمّل مسؤوليّة أفعالنا. في عالم خارج عن السيطرة تماما، أفعالنا هي الشيء الوحيد الذي نستطيع التحكّم به. إذا لماذا نترك المجال للآخرين ليتحكّموا بالشيء الوحيد الذي نستطيع أن نتحكّم به في هذا العالم؟

إرسال تعليق

Post a Comment (0)