سينيكا و فن السكينة في الفلسفة الرّواقيّة!


سينيكا و فن السكينة في الفلسفة الرّواقيّة!

"ليس الثراء و السموّ، هما اللّذان يعطيانك السعادة، بل السّكينة و الإنشغال." توماس جيفيرسون.
كان سينيكا الأصغر فيلسوفا بمكانة عالية في الإمبراطوريّة الرّومانيّة، و كان أحد أهمّ المساهمين في الفلسفة الرّواقيّة القديمة. تبادل الرسائل مرّة مع صديقه سيرينوس عن طريقة تحرير العقل من القلق و الكآبة على الطريقة الرّواقيّة. لم تكن كلمات سينيكا تهدف فقط إلى تقليل الإهتمام بالعالم المحيط، بل تركّز أيضا على ما يجب أن نهتمّ به لنحقّق السّكينة.

يعرض هذا المقال إقتراحات سينسكا لتهدئة العقل لكي يصبح صديقه سيرينوس أكثر سكينة.

كتب سيرينوس يوما رسالة لصديقه سينيكا يفسّر فيها الإضطرابات العقليّة التي يعاني منها خلال ممارسة أنشطته اليوميّة. طلب من سينيكا أن يريحه من هذه المشكلة، لذلك كتب له ردّا على رسالته يحتوي على هذه النصائح.


1.لا تعوّل على الأمل
رأى سينيكا أنّ الناس منشغلون جدّا بالمستقبل، و بالتالي فإنّ أدمغتهم لا تركّز على اللحظة الحاضرة كثيرا، بل تقودهم و توجّههم رغباتهم أيضا، فهم يخلقون صورة مثاليّة عن المستقبل و كيفيّة وجوب وقوعه، لكن عندما لا يتطابق مع تلك الصورة التي رسموها لأنفسهم يصابون بالخذلان و الإحباط. لا يكون هؤلاء الأشخاص بطبعهم مستائين و ساخطين و مصابين بالملل فقط، بل و يعوّلون على الأمل كليّا. يقول سينيكا:" يكافحون من أجل إتمام صلواتهم بكل الطرق، يعلّمون و يجبرون أنفسهم على القيام بأشياء غير شريفة و صعبة، و عندما لا يكلّل مجهودهم بالنجاح، يتعذّبون بالشعور بالخزي و الغضب عبثا، ليس لأنّهم تمنّوا الشيء الخاطئ بل لأّهم تمنّوه سدى."
يساعد السّعي وراء الأهداف طويلة أو قصيرة المدى على التّركيز على اللحظة الحاضرة،عوضا عن القلق على النتائج والشعور بالإحباط، مع تقبّلها بغضّ النظرعلى نوعيّتها. 

2.كن خدوما
لا تشجّع الرّواقيّة الناس على الإنغلاق الذّاتي و الإبتعاد عن المجتمع، بل تشجّع على الإنخراط فيه بطريقة تناسبنا و تفيد الآخرين. عندما نمارس ذلك و نساعد الآخرين نضرب عصفورين بحجر واحد. أولا، نشغّل أدمغتنا عندما نركّز على القيام بمهمّة ما، و نكون في خدمة الآخرين كذلك، ممّا يخلق إحساسا بالتواصل الإجتماعي الذي يساعدنا على الإحساس بالرّضا و يحسّن مهاراتك لتفيد بها الآخرين. إضافة إلى ذلك، يجعلك إستخراج المعنى مما تقوم به مهما كانت نوعيّته تشعر بالرّضا. 
كيف يؤدّي هذا الحصول إلى عقل هادئ؟
عندما تكون مركّزا على مهمّتك، تكون بعيدا عن الإلهاءات التي لا تزيد حياتك قيمة كالأخبار أو ما يقوله الأشخاص السلبيّون عنك، فتفقد كلّ تلك الإلهاءات قيمتها. لا يكون السعي وراء المثاليّة في العمل ممكنا إلا عندما تكون مركّزا على اللحظة الحاضرة.

3.إختر أصدقائك بحكمة
كتب سينسكا أنّ:" لا شيء يعطي العقل الكثير من الإبتهاج كالحبّ و الصداقة المخلصة. يا لها من نعمة أن يكون لك ذوي القلوب التي تلتزم بحفظ الأسرار، الذين تخاف من أن تكون معرفتهم بك أقلّ من معرفتك بنفسك، الذين تريح محادثتهم قلقك و تلازم آراؤهم قرارك و يبعثر مرحهم حزنك، و تعطيك مجرّد رؤيتهم الفرحة." يمكن أن يكون الأصدقاء إضافة جيّدة لحياتك، لكن عليك أن تكون حكيما بخصوص إختيار الاصدقاء المناسبين لرفقتك. تدور بعض الصداقات ببساطة حول السلبيّة، أو تكون سامّة كليّا، و هذا يؤثّر على مزاجك فالمزاجات معدية. يمكن أن يكون الصديق الحقيقيّ وفيّا و صدوقا، لكنّه يكون في أغلب الأحيان حزينا و منزعجا و يركّز على التذمّر حيال كلّ شيء. بالنسبة لسينيكا، من المفضلّ تجنّب هذا النوع من الأشخاص، بل عليك أن تختارمن يكونون  أبعد ما يكون عن الرغبات الأنانيّة و الرّذائل، أو  بعبارة أخرى، أناسا يرفعون معنويّاتك و لا يثقلون كاهلك بمآسيهم. الصديق الجيّد و الإيجابي لا يثقل كاهلك بالأحاديث السلبيّة و يساعدك على تحقيق السعادة.
عن طريق تفادي الأصدقاء السلبيّين، تتفادي تأثير سلوكهم السّام على سلامك الدّاخلي.

4.لا تنشغل بمسائل غير مفيدة
كتب سينسكا عن كيفيّة عيش بعض النّاس بطريقة عشوائيّة و تقضية أوقاتهم في الإنتقال من مكان إلى آخر. يمكننا أن نرى هذه الظاهرة كثيرا  في هذا العصر. فنحن ننتقل من هواتفنا الذكيّة إلى حواسبنا المحمولة، و من الفايسيوك إلى الإنستغرام، و عندما نشعر بالملل من شريط فيديو معيّن ننتقل إلى آخر. مفتاح الخروج من هذه الحلقة المفرغة هو أن نركّز على مهمّة معيّنة، و نوجّه مجهودنا كاملا نحو تلك المهمّة، و لا ننقطع عنها إلّا للضرورة القصوى. عندما تهمّ للقيام بنشاط ما يمكنك أن تغلق هاتفك و مواقع التواصل الإجتماعي. يمكنك أيضا أن تكتب مسبقا قائمة بالمهام التي تريد أن تنجزها لليوم الموالي. بهذه الطريقة، يكون ترتيب يومك أوضح، و لن تكون في حاجة إلى أن تفكّر في أيّ شيء آخر خلافها، ممّا يخفّف من إحساسك بالقلق و يهدّئ عقلك بشكل واضح.
تُحدث القدرة على التركيز الفرق بين التوسّط و الإمتياز.

5.لا تعتمد على آراء الآخرين
عندما تتصرّف على الطريقة التي يتوقّعها الناس منك دائما، لا تعيش على طبيعتك. في الحقيقة، ينعزل الكثير من الأشخاص لأنّهم يشعرون بالضغط بسبب الناس الذين يتوقّعون منهم أن يتصرّفوا على نحو معيّن. يقدّم سينيكا مثالا على ذلك فيقول بأنّها كالجنازة التي يُرى فيها الأشخاص الذين لا يبكون أناسا مخجلين. في هذه الحالة، تكون مجبورا على إظهار حزنك سواء أردت ذلك أم أبيت. يقول سينيكا:"أصبح  شرور التّعويل على آراء الآخرين مغروسا بصفة عميقة تجعل حتّى الحزن الّذي هو أكثر الأشياء طبيعيّة في العالم مجرّد ذريعة." عندما نعوّل على أفكار الآخرين نكون غير أحرار. يتطلّب الأمر شجاعة ليستطيع المرء تحرير نفسه من هذا القيد، فإن حقّقنا ذلك نكون قد تخلّصنا من أقنعتنا و أرينا العالم حقيقتنا الأنقى. يمكن أن نتعرّض للسخرية بالطبع، لكن أليست السخرية  من حقيقتنا أفضل من أن نتعذّب بسبب التظاهر و التصنّع؟

6. التوازن، و الإنعزال و الإنضمام إلى المجموعة
كتب سينيكا أنّه علينا أن  نتقبّل و نرضى بالإنعزال و الإنضمام إلى المجموعة أيضا. يعطينا الإنعزال فرصة الإنفراد بأنفسنا و يجعلنا نتوق إلى الصحبة. أيضا، التواجد مع الصحبة يجعل الفرد يتوق إلى الإنفراد بنفسه. لهذا يجب أن نمارسهما مجتمعان. لا تشجّع الرواقيّة على سلوك الإنعزال و الزهود، لكنّها تولي تركيزا خاصا على الأنشطة الإنفراديّة ككتابة اليوميّات و كل أنواع التأمّل لأنّها تهدّئ العقل. يمكن أن يكون الإندماج في المجتمع دواء لمعالجة عقولنا من الإجترار الإنفرادي.

7.أرح عقلك
يقول سينيكا بأنّ العقل يحتاج من وقت لآخر إلى الرّاحة و التحرّر من الألم. يمكن أن يتمثّل ذلك في الذهاب إلى السينما من وقت لآخر أو لعب ألعاب الفيديو، لكن أفضل طريقة يمكنك أن تتّخذها لتصل إلى السكون هي ممارسة التأمّل.

إرسال تعليق

Post a Comment (0)