تشعر بالحزن و الملل و القلق؟ ربما تعاني من "التشاؤم العاطفي"!

تشعر بالحزن و الملل و القلق؟ ربما تعاني من "التشاؤم العاطفي"!

" "التشاؤم العاطفي" هو الإكتئاب الذي تشعر به عندما لا يتطابق العالم الحقيقي مع ما تتصوّر أن يجب أن يكون عليه العالم." جون غرين.
علّمتنا مشاهدة أفلام ديزني عندما كنّا صغارا أن الخير ينتصر على الشرّ دائما و أنّ الجميع يعيش في سعادة و هناء في النهاية. لكن، عندما نواجه العالم الحقيقي نكتشف أنّ ذلك لا يتحقّق دائما. نرى المعاناة و الظلم و الإضطهاد و المعاملة السيئة للحيوان، و طريقة معاملتنا لبعضنا البعض بعنف فنسبّب الحروب و الفقر و الحزن و الإحباط و اليأس و القنوط. يمكن أن نستنتج إذا أنّ الحياة ليست ورديّة دائما. أحيانا، بعد أن نعرّض أنفسنا لوسائل الإعلام و عندما نلاحظ الكآبة في محيطنا الشخصي يصعب علينا عدم التأثّر بالمحن التي تعترضنا، و كنتيجة لوعينا الشديد بهذا الألم و المعاناة، نشعر بحزن و كآبة عميقين. تعرف هذه الحالة العقليّة أيضا ب"التشاؤم العاطفي".

إذا ماذا يعني "التشاؤم العاطفي"؟ ماهو مصدر هذه التسمية؟ وما الذي يمكننا القيام به حيالها؟
عاش أمير يدعى سيدارتا غواتاما حياة مستترة جدّا. فقد كان مقدّرا له إمّا أن يكون شخصا روحانيّا أو ملكا عظيما. أصرّ والده أن يحكم إبنه المملكة يوما ما، لذا حاول بكلّ الطرق ليوجّهه نحو القيام بذلك. إضافة إلى ذلك، علم بأنّ تعريض إبنه لمعاناة العالم قد يغيّر مساره كلّيا، كأن تكون مواجهة الحقيقة القاسية للعالم بوّابة لمسيرته الرّوحيّة. لأنّه حينها سيكتشف أنّه هناك أشياء أعظم في الحياة من الكثير من الولائم و النساء الجميلات و الممتلكات الماديّة و السلطة. لكن،رغم جهود والده لجعل حياته ممتعة بقدر الإمكان، إختبر سيدارتا إحساسا عميقا بالملل. لذا قرّر أن يهرب من القصر ليكتشف العالم الخارجي. بعد مواجهة العديد من أنواع المعاناة كالمرض و الفقر و الموت إنقشع حجاب سعادة حبّ الإكتشاف. فعاد إلى القصر، و حين كان مستلقيا في الفراش مع زوجته و أبنائه، أصابته نوعيّة أخرى من الحزن بخصوص معاناة العالم. يمكننا أن نقول بأنّها كانت المرّة الأولى التي يختبر فيها "التشاؤم العاطفي" في حياته. إبتدع الكاتب الرومنطيقي الألماني جون بول فريديريك رختر  مصطلح " التشاؤم العاطفي". تصف هذه التّسمية الحزن الذي نشعر به تجاه العالم و نقائصه و جوانبنا السلبيّة كبشر و  تعكس الوضع الحالي للعالم أو ما يعرف بـ "حزن العالم". في موضوع يسمّى "أنواع "التشاؤم العاطفي ""، يصفه ويلهلم آلفريد براون على هذا النحو:" يمكن أن يعرّف "التشاؤم العاطفي" بالمصطلح الرومنطيقي للحساسيّة العاطفيّة الغير عاديّة للشرور الأخلاقي و الجسدي و بؤس الوجوديّة. وهي حالة قد تكون أو لا تكون قائمة على الإعتقاد بأنّ المأساة البشريّة أعظم من السعادة البشريّة."

1.الذّعر
يختلف التشاؤم العاطفي عمّا يسمّى بـ"الذّعر" وهو نوع من القلق الذي يختبره الفرد عندما يبالغ في التفكير و القلق حيال الحياة بصفة عامّة أو حالتنا الخاصّة، أو القلق حيال كلّ شيء. وصف الفيلسوف الوجودي سورين كييركيغارد "الذّعر" على أنه نتيجة الإحتمالات اللامتناهية التي نمتلكها كبشر، و لأننا لسنا مقيّدين بغرائز كالحياوانات، و وصفه أيضا بـ"دوار الحريّة". رغم أنّ "الذّعر" ليس مرادفا لـ"التشاؤم العاطفي" إلا أنه يمكن أن يكون جزءا منه، كاليأس الذي ينتج عن إدراك بؤس العالم إضافة إلى الخوف من إمكانيّة حدوثه. نلاحظ هذا عندما نرى توتّرا متصاعدا بين الشرق و الغرب مثلا أو عندما نقف على حافّة إنهيار الإقتصاد. يمكن أن يسبّب تأملّ المعاناة القلق من المستقبل و إحتمال مساسها لنا. يمكن أيضا  أن يكون للذّعر أسباب عديدة لا تكون بالضرورة مرتبطة بمعاناة العالم و بؤسه. 

2.الملل
تشير عبارة "الملل"إلى الإستياء الذي يكون سبب إنعدام وجود الأشياء التي تحفّز الشّغف فينا. يتشابه"الملل" كثيرا مع "معاناة العالم". حتّى إن إختبر شخص ما  الملل بسبب عالم لا يتماشى مع رغباته يتحوّل ذلك إلى الإكتئاب و الفتور. يمكن أن يكون الملل علامة على "التشاؤم العاطفي" لأن كثرة تواجد اليأس في العالم تسبّب لنا  الشعور بعدم الرّضا تجاه ما يجري حولنا، فنفقد القدرة على الإستمتاع و لا نجد طريقة لإدخال البهجة إلى حياتنا. إذا ما الهدف من الحياة إن كان العالم مكانا مليئا باليأس و الظلام؟
يكمن أساس "التشاؤم العاطفي"  في تضارب الصورة التي نتصوّر أنه يجب أن يكون عليها الواقع و الوجه الحقيقي للواقع، فنقرّر العيش، مثل الأمير سيدارتا، حياة ماديّة و فكريّة مستترة. عندما نكون قد تربينا على أفلام ديزني، يمكن أن نرى العالم من منظور إيجابي أكثر بكثير ممّا هو عليه في الحقيقة و ننكر طبيعة حقيقة الشرّ. يعتبر من يدرك جيّدا الجوانب المظلمة للعالم بطريقة واقعيّة و قائمة على حقائق شخصا متشائما. المشكلة التي تكمن في الملل و "التشاؤم العاطفي" هي أنّنا نسقط أفكارنا على العالم و بالتالي عندما لا تتطابق توقّعاتنا مع الواقع نصاب بالإحباط. لا يمكننا أن نتحمّل ألم العالم لأننا نعتقد بأنّه يجب ألّا يتواجد في هذا العالم. نريد أن يكون العالم مثاليّا لنا و للناس الآخرين و عندما لا يكون كذلك نكون غير قادرين على تقبّل فكرة أنّه لا سلطة لنا على هذا العالم بجانبه المظلم. يكون الناس قساة و أنانيين و يحاولون تدمير بعضهم البعض كلّ يوم، فالحروب و القتل و الشحّ و العنف موجودون من قديم الأزل، و هم جزء من الحياة على هذه الأرض. تشبه الرّغبة في إقصاء هذه الأشياء محاولة إنكار حقيقتنا كبشر وحدوث ذلك مستبعد جدّا إلّا إن جُرّد البشر من إنسانيّتهم أو إنقرضوا من الكون. و كما أنّ عيوب الإنسانيّة هي جزء لا يتجزّء من البشريّة فإنّ البشر يمتلكون صفات خيّرة كالصدق و الأمانة و الرّحمة.

إن كنّا غير قادرين على تحمّل الجانب المظلم للعالم لن نتحمّل العيش فيه. عندما نعاني من "التشاؤم العاطفي" يمكن أن نسأل أنفسنا عن سبب مقاومتنا إيّاه و عن  الأفكار التي تجعلنا غير قادرين على تقبّل أنّ الحياة الواقعيّة غير مثاليّة. في تاريخ البشريّة، حاول الكثير من الناس حلّ مشكلة "التشاؤم العاطفي" بطريقة أو بأخرى، فقد حقّق الأمير سيدارتا الحدّ من المعاناة عن طريق إتّخاذ طريق روحي و به أصبح مستنيرا.

تقبّل الفيلسوف الفرنسي الجزائري آلبير كامو فكرة أنّ الكون فارغ و عقيم و غير مبالي، و أنّ ميول البشرو هدفهم في إستخراج معنى من الحياة أمر عبثي و باطل و بأنّه علينا أن نخلق المعنى الخاص بنا و نستمتع بوقتنا مهما أصبحت الظروف قاسية و مظلمة. على عكس سورين كييركيغارد، آمن آلبير كامو بأنّ الحل الوحيد للحدّ من اليأس في الحياة هو القليل من الإيمان، فالبعض منا يجد الرّاحة و الإيمان في التعلّق بالدّين.

إضافة إلى ذلك، ركّز الرّواقيّون على أنّ ظروف حياتنا لا تجعلنا نعاني و نتألّم، بل موقفنا من هذه الظروف هو الذي يسبب لنا ذلك. لذا يجب أن نتعامل مع "التشاؤم العاطفي" و نعالجه عن طريق تغيير طريقة تفكيرنا، لا عن طريق محاولة تغيير العالم. الفكرة الرئيسيّة التي يمكن أن تعطينا بعض الأمل و الرّضا و تساعدنا على الإحساس ببعض السلام تجاه الجانب القاسي للعالم و حالة الوجود البشري و أنفسنا هي الحقيقة البوذيّة بأنّ "الحياة معاناة"، فالولادة و الكبر و الموت و عدم حصولنا على ما نريد جزء من الحياة و من المعاناة البشريّة أيضا لذا كون العالم مليئا بالمعاناة ليس أمرا مفاجئا.     

إرسال تعليق

Post a Comment (0)