كيف تتغلّب على كره الذّات!

كيف تتغلّب على كره الذّات!

"لا تجد سرّ السعادة في السّعي وراء الحصول على المزيد، بل في تطوير القدرة على الإستمتاع بالأقلّ."سقراط
يرافق الإكتئاب تجربة كره الذّات غالبا، وهو أساسا آليّة لتتعامل مع معتقدات تتعلّق بذاتك و بموقفك منها. يمكن أن يؤدّي ذلك إلى عرقلة الذّات و الإنتحار حتّى.
مع كبرنا في السّن يتكوّن لدينا هيكل معياريّ عن أنفسنا و محيطنا. يتكوّن هذا الهيكل من عدد من الأحكام حول الأشياء المستحبّة و الأشياء غير المستحبّة في الحياة. إضافة إلى إحتياجاتنا الأساسيّة كالطعام و المسكن، نكون قد حدّدنا مجموعة من الخاصيّات التي علينا أن نتّبعها لكي نصبح أشخاصا فاعلين في المجتمع، و مجموعة من الخاصيّات غير المستحبّة التي تجعل من الفرد أقلّ قيمة أيضا. يمكن أن يكون ذلك سبب معايير نصّها علينا أولياؤنا، كأن يخبروننا بأنّه لا قيمة للإبداع، وأنّ الحياة تتعلّق بمقدار المال الذي تجنيه، أو يخبرنا المجتمع أنه لا قيمة لنا إن لم نتزوّج و ننجب أطفالا. كلّ هذا يؤدّي إلى كره الذات و الشعور بالنّقمة.
يرشدك هذا المقال إلى الطريق الذي تتّبعه لتتخطّى كرهك لذاتك.


1.تأكّد بأنّ مصدر كرهك لذاتك هي أحكامك الخاصّة
غالبا ما نحدّد  قائمة بإلأشياء الخاصّة التي علينا أن نحقّقها لكي نحبّ أنفسنا، لكن إن لم نتمكّن من القيام بذلك نُصاب بالخذلان و الإحباط و نبدأ بكره أنفسنا، ولنتفادى ذلك علينا أن ندرك بأنّنا لا نستطيع أن نتحكّم بالعوامل الخارجيّة أو بنتائجها. يقول الرّواقيّون أنّ ما يزعجك هو موقفك من الأحداث لا الأحداث نفسها، و يتمثّل موقفك في هذه الحالة في الكره. ليست حقيقة أنّك لم تحصل على المهنة التي أردتها، أو أنّك لست مليونيرا و قد أصبح سنّك أربعينا، أو أنّك لم تتمكّن من شراء منزل أحلامك بعد،  شيئا جيّدا أو سيئا بالضرورة، بل طريقة تفكيرك نحوه هي التي تجعله كذلك. كلنا نحدّد أحكاما و معايير لأنفسنا، لكنّ هذه المعايير تتغيّر مع تطوّر الفرد و تقدّمه، و حسب تجاربه في الحياة، و بالتالي فإنّ أحكامه الشخصيّة غير ثابتة و غير موثوقة. و بالتّالي، عليك ألّا تأخذ الحديث السلبيّ مع ذاتك على محمل الجدّ، فهو غالبا يهدر طاقتك دون فائدة. من الممكن أيضا أن يكره المرء ذاته بسبب أفعاله أو كسله في الماضي. في الحقيقة، بعض الأفعال سلبيّة حقّا كأن يتعمّد الفرد إيذاء الآخرين، أو ممارسة التّدمير و التّخريب الذاتي على نفسه. في كلتا الحالتين، يساعد الحكم السّلبي على إيجاد الطريق الصحيح، لكنّ اللّوم المتواصل للذات يحبطها و يمنعها من التقدّم. 
يمكن  أن يكون الحديث السلبي مع الذات مُعيبا و خاطئا و قائما على تفكير غير عقلانيّ فيؤذيها، ويؤثّر سلبا على معنويّات الفرد.

2.عُدّ النّعم
بما أنّنا نعرف الآن بأنّ الأحكام تؤدّي إلى كره الذّات، فقد حان الوقت بأن نغيّر وجهة نظرنا. أن تعدّ نعمك و تركّز كلّيا على الأشياء الجميلة في حياتك و على اللّحظة الحاضرة هي طريقة ناجحة لتقلّل من إحساسك بعدم الرّضا، و تزيح حمل الرّغبة في المزيد، و بأنّك لم تحقّق ما يكفي، من على أكتافك. كره الذّات هو نوع متطرّف و تدميري من الإحساس بعدم الرّضا، فترى الأشياء من حولك ليست غير جيّدة بما يكفي فقط، بل غير مقبولة و مروّعة أيضا. عندما تتخلّص من هذه الحاجة و الرغبة في المزيد، تدرك فجأة وجود الأشياء الجيّدة في حياتك، وبأنّك تحتاج أقلّ بكثير ممّا تعتقد.

آمن الفيلسوف القديم أبيقور بأنّ السعادة هي أهمّ هدف للوجود البشري، و لتكون سعيدا عليك أن تقدّر المتع الصغيرة في الحياة. أليس إمتلاكك لطعام و منزل أمرا مبهجا؟ إن كان كذلك، ماذا عن بقيّة الأشياء الأخرى التي تمتلكها كالأصدقاء و العائلة و المهنة؟ هذه نعمٌ لا نقدّرها بما يكفي و نعتبرها عادة مُسلّمات.

يشير إبيقور أيضا إلى أنّنا غالبا ننسى بأنّ الأشياء الّتي لا نرضى عنها الآن و نتذمّر بسببها هي أشياء رغبنا في الحصول عليها في الماضي. عندما تنشأ قناة يوتيوب مثلا يكون حلمك الأقصى و طموحك في البداية هو أن تصل إلى عشرة آلاف مشترك، و حين تصل إلى ذلك العدد و تتجاوزه، تنسى أنّه كان حلمك في الماضي، لكن عندما تضع نفسك مكان ذلك الشخص الذي تمنّى الحصول على عشرة آلاف مشترك في الماضي تكون ممتنّا و راضيا تماما على ما حقّقته الآن و تدرك بأنّك لا تمتلك أيّ سبب لتتذمّر أو تكره ذاتك. لكن الإنسان بطبعه يطمح دائما إلى المزيد و لا يرضى عن وضعه الحالي.

3.قدّر الجوانب الأخرى للأشياء
ما نراه كشيء سيء أو سلبي هو في الحقيقة نعمة بزيّ نقمة. كل شيء له جانب آخر، و توجد في كلّ عقبة مصلحة. يرينا الطّاويّون(فلسفة صينيّة قديمة تركّز على العيش بتوافق و إنسجام مع درب الحياة) وجود وحدة في كلّ ثنائيّة، فلا وجود لإرتفاع دون إنخفاض، ولا وجود لجمال دون بشاعة، ولا وجود لإيجابيّة دون وجود سلبيّة. في الواقع، عندما نكون منشغلين بكره ذواتنا، لا نرى ثنائيّة الأشياء و لا نرى الجانب المشرق منها لأنّ ذلك الكره يحجبه عنّا، فلا نرى إلّا الجانب السلبي للموقف. إن كنت فقيرا فهذا يعني أنّه ليس لديك الكثير لتخسره. إن كنت لا ترى نفسك جميلا، فهذا يبعد عنك الإهتمام الزّائف و يقدّرك أحبّاؤك لحقيقة ذاتك لا جمالك الخارجيّ. ما عليك فعله دائما هو أن تستخرج الأشياء الجيّدة من كلّ ما تعتبره شيئا سيئا في حياتك. يمكن أن ترى شعورك بالوحدة مثلا  على أنّه فرصة لتزيد من إنتاجيّتك، و ترى الأشياء التي تكرهها في ذاتك أو حياتك على أنّها فرص لتتغيّر و تطوّر شخصيّتك. هذا سيحوّل كراهيّة الذات إلى وجهة نظر صحيّة تساعدك على التعامل اللّحظة الحاضرة بإنفتاح و إيجابيّة أكثر. يحتاج الجميع  إلى القليل من الوقت ليُخرج نفسه من تلك الحلقة السلبيّة و يعود إلى حياته، لأنّ ذلك هو الهدف الأهمّ. لذا إسمح لنفسك بأن تأخذ الوقت اللّازم لتعود إلى حياتك بعد أن كرهت ذاتك.

4.إخلق مجالا و وقتا كافيا لنفسك و أشعر بالتّجربة كاملة
إن لم تتمكّن من تغيير أفكارك السلبيّة و المحبطة في ثوان أو دقائق يتأثّر جسدك و أفكارك و إحساسك. عليك آنذاك أن تعطي لنفسك فرصة لتخوض التجربة كاملة لوقت معيّن. قد تستغرقك هذه المرحلة يوما كاملا، لكن خلاله عليك أن تعامل نفسك بلطف و عناية، وتتقبّل ذاتك كليّا، وتُوفّر لها الرّاحة اللّازمة. ذلك هو حبّ الذات. أطبخ لنفسك أكلتك المفضّلة، و أجّل عملك إن كان ممكنا، و إسترخي. كلّما خلقت لنفسك مجالا لتمرّ بتجربة كره الذّات كاملة تخرج منها بطريقة أسرع.

5.إتّخذ الإجراءات المناسبة
لا أهمّية لعدد المرّات التي نسقط فيها طالما وقفنا مجدّدا. لكنّ الأهمّ هو أن نبدأ في القيام بشيء ما فور إيجاد القدرة على الوقوف، لنبقى خارج الحلقة السلبيّة. يتمثّل هذا الإنخراط الفعلي في الذّهاب إلى العمل، أو التحدّث مع صديق، أو التنزّه في الغابة مثلا. يجعلك إتّخاذ إجراء ما تبتعد عن كره الذّات، و يعيد لك طاقتك. قد لا يرغب العقل أو الجسد في القيام بذلك وقتها، لكن من المهمّ أن تتّبع طريق الحكمة هذا ليتغيّر موقفك تجاه ذاتك، فعندما تنخرط في الحياة و تسمح لها بالإزدهار لا تجد وقتا لتكره ذاتك.

إرسال تعليق

Post a Comment (0)