
"كل المعلومات يمكن أن تترجم في صيغة اليين و اليانغ مهما كانت."آلان واتس
يكمن مفهوم اليين و اليانغ أساسا في الفلسفة الطاوية(فلسفة صينية قائمة على كتابات لاو تسو تدعو إلى التواضع و التّقوى في الدين). تبرز كثيرا في الثقافة الشعبية و المستهلكة و تمثل أشياء كالإتزان و السلام الداخلي، لكن عمق اليين و اليانغ لا يتوقف على ذلك و حسب. عندما نفهم حقا هذه الفلسفة الغامضة يمكن أن تتغير وجهة نظرنا تجاه الكون إلى الأبد.
إليك المفهوم العميق لليين و اليانغ
الفكرة التي تكمن وراء اليين و اليانغ متناقضة نوعا ما. يقوم اللّونان الأبيض و الأسود على قوتين متعارضتين و متكاملتين في نفس الوقت. يسبّب هذا التّجاذب و التّنافر المتواصل التغيّر المستمر و الذي يظهر في ما نسمّيه الكون. ظواهر كالموت و الحياة، الشتاء و الصيف، الهامّ و الخاوي، كلها تجليات مادية لليين و اليانغ. يمكن ترجمة اليين و اليانغ إلى الظّلام و الضّوء، أو السّلبي و الإيجابي، و يشار إليهما عادة بالمذكّر مقابل المؤنث. خاصّة في التحفة القديمة التي حرّرها لاو تسو و سمّاها "تاو تي تشيغ" و التي تتمحور حول المؤنث أو الأم العظيمة الغامضة، و القوة السلبية و التي تمثّل الجزء الأسود من رمز اليين يانغ، و المذكر هو القوة الفاعلة و هي أساسا واضحة و بارزة وهي الجزء الأبيض من الرمز.كلا الرجل و المرأة يمتلكان خصائص اليين و اليانغ و الذي وصفة الطبيب النفسي كارل يونغ، الذي تحدث عن الجزء اللاوعي المذكّر للمرأة "الأنيم"، و الجزء المؤنث في الرجل " الأنيمة". عندما ننظر إلى رمز اليين و اليانغ نجد نقطة سوداء في الجهة البيضاء و نقطة بيضاء في الجهة السوداء و الذان يمثلان فكرة أن المؤنث و المذكر يحملان بذرة من بعضهما البعض.
ماهي الإختلافات بين اليين و اليانغ؟
ما الذي يمكن إعتباره يين و ما الذي يمكن إعتباره يانغ؟ يعتمد ذلك على الموقف.يقول لاو تسو في المحور الثاني من "تاو تي تشينغ": ينتج الوجود و اللاوجود بعضهما البعض. يكمّل المعقد و السهل بعضهما البعض. يعرّف الطويل و القصير بعضهما البعض. يعارض العالي و المنخفض بعضهما البعض. يتبع السابق و اللاحق بعضهما البعض."
كل مثال مذكور يحمل عنصر اليين و اليانغ داخله. يكمّل اليين و اليانغ بعضهما البعض. يعرض اليين سلسلة من الخصائص، وهي عامّة السّلبي و الخاوي و المنخفض و البارد و المظلم. تبدو السّلبية و الخواء دون قيمة، لكنهما يمتلكان في الحقيقة قوة عظيمة.
يمكن وصف اليانغ بالعنصر الفعّال و المذكّر، والذي يمكن إيجاده في أشياء كالضوء و الدفئ و العلوّ و الكمال و الإقدام و السرعة.
إن نظرنا إلى ما قاله لاو تسو يمكننا أن نقول أن الطويل يعتبر يانغ و القصير يعتبر يين. لا يمكن أن يتواجد أحدهما دون الآخر، سواء كان أحدهما يين أو يانغ فهذا يعتمد على العلاقة بين الإثنين. قد تبدو فعاليّة اليانغ بديهيّة، فيتمّ دائما التّغاضي عن قيمة اليين، لكنها تحتوي على قوة عظيمة. يمكن أن ترى قيمتها في فعاليّة الفنجان مثلا. جوانب اليانغ في الفنجان هي المادة التي صنع منها، و التي تكون في أغلب الأحيان صلبة و جافة. إذا ما الذي يجعل الفنجال بهذه الفعالية؟ خواؤه هي الجواب عن هذا السؤال. لا يمكن للفنجان أن يحمل أي سوائل إن لم يكن فارغا. إن نظرنا للخواء من هذه الجهة يمكننا أن نرى الجهة الفاعلة في أي شيء نقوم به. دون الفراغ في المكان حولنا لا يمكننا أن نلعب كرة القدم. دون الفراغ في الصوت لا يمكننا أن نتكلم، لأننا نحتاج راحة للتفريق بين النغمات. لا يمكننا أن ندخل غرفة لا يوجد فيها فراغ و لا يمكن أن يعمل نظامنا الشمسي دون وجود الفراغ الكبير في الكون. خاصية أخرى في اليين هي لا فاعليته.
يحتقرالمجتمع اللّافاعلية. يتعلق الأمر بالإستباقية و الحصول على النتائج و الإنتقال من النقطة أ إلى النقطة ب و العمل لا التوقف عنه. بسبب هذا لا نحترم عادة الجانب اللافاعل في الحياة. يبدو هذا غريبا عندما نفكر فيه، لأن اللافاعلية لازمة لكي نحقق أي نوع من الإنجازات. لنأخذ التمرن على رفع الأثقال كمثال.لا تُبنى العضلات في صالة الرياضة بل تبنى في الفراش أو على الكنبة و في أي وضعية لا تعمل فيها العضلات.
خاصية هامة في اليين هي التقبّل. بسبب تقبلها تجذب. يتجلّى هذا العنصر في أي شيء في الطبيعة، كالأزهار التي تنتظر التلقيح من الحشرات و حتى الثقب الأسود الذي يتواجد فحسب في حين أن قواه الجاذبة تستقطب أي شيء يمر بجانبه.
يصف لاو تسو اليين بالنّاعم حين يقارنه بالماء في علاقته بالصخرة الصلبة وهي الجانب اليانغ في علاقتها بالماء. الجراند كانيون هو دليل على أن الماء يتغلب على الصعاب دون معاناة. من جهة أخرى، لا قيمة لليين دون وجود اليانغ. الدفئ و الضوء لازمان من أجل الحياة، و يصبح الفراغ ذا قيمة عندما يكون هناك شيء يصنع بفضله. لا يمكن للزهرة أن تلقح إلا في إقتراب الحشرات منها بكثرة و تقوم بما عليها القيام به. لكن إن نظرنا عن كثب نرى الجانب المذكّر يحمل دائما جانب مؤنثا، في سياق معين، و العكس صحيح. يمكن إعتبار النحلة، مثلا، يانغ في علاقتها بالزهرة. لكن النحلة نفسها تحمل جانبي اليين و اليانغ معا، كالفراغ مقابل الإمتلاء، و اللافاعلية مقابل الفاعلية. عندما ننظر لكل عنصر في النحلة على حدة نجد الجانب المذكر و المؤنث في كل منها إلى أن نصل إلى مستوى الذرّة و فيها نجد جسما محملا بالإجابية و محاطا بإلكترونات سلبية.
يقوم نمط اليين و اليانغ على رمز ثنائي يتكون من آحاد و أصفار فقط. يقول آلام واتس :"يمكنك ان تقول أنّ كل تصوراتك بتنوعها و إختلافها تتكون من مركب شاسع من ال"نعم" و ال"لا"." نظرا لطبيعة اليين و اليانغ المتكاملة، يمكننا أن نقول أنّ كلا الجانبين المؤنث و المذكر يراقبان بعضهما البعض. عندما يصبح أحدهما أكثر سيطرة ينمو الجانب الآخر ليصبح مسيطرا، لينمو الجانب الآخر و يصبح مسيطرا. أكثر الأمثلة وضوحا هي السياسة من اليسار إلى اليمين و من المحافظين إلى اللبراليين إلى غير ذلك من الأمثلة.
يقول لاو تسو أنه لا يوجد تحرك ممكن إن لم تكن هناك حركة مضادة قبلها. كما يقول:" إن كنت تريد أن يعود شيء إلى أصله عليك أن تسمح له بالإنتشار أوّلا. إن كنت تريد أن تضعف شيئا عليك أن تسمح له بأن يصبح قويا أوّلا. إن كنت تريد أن تنتزع شيئا ما عليك أن تسمح له بالإزدهار أوّلا، و إن كنت تريد أن تمتلك شيئا ما عليك أن تستغني عنه أوّلا." إذا يمكننا أن نقول بأن كل شيء متكامل كرقصة بين المؤنث و المذكر.
يين و يانغ متكاملان .يعدّلان و و يحوّلان و يدعمان و يصنعان بعضهما البعض .
إرسال تعليق