قصة قصيرة: غبار الإنتقام - الجزء الثاني

الجزء الثاني والأخير

مضت بضعة أيام، كان يقضيها سامي بين السهر لساعة متأخرة من الليل وبين التأمل باحثا في تفاصيل ماحدث له في الآونة الأخيرة.
ثم إحتاج يوما للذهاب إلى البنك لسحب بعض المال من رصيده، لكنه لم يكن يريد إصطحاب إبنه معه فاحساسه كان يخبره بان المنزل أكثر أمانا من الشارع.
إتصل بأخيه ليطلب منه المكوث مع معتز بالمنزل لحين عودته، لكن هذا الأخير أخبره بانه لديه موعد مع حريف وعند إتمامه سيلتحق به.
قام بعدها سامي بالاتصال بعمته علها تبقى مع معتز أثناء غيابه، فوافقت عمته وأخبرته بأنها ستأتي.
لم تمضي إلا ساعة حتى كانت عمته في منزله. وخرج سامي تاركا معتز مع العمة بثينة.
ذهب إلى البنك واضطر للمكوث هناك مدة ساعتين تقريبا لأنه أراد مقابلة مدير الفرع.
بعد ذلك مر إلى المغازة لإقتناء بعض المستلزمات التي يحتاجها. وكان في الأثناء يتصل على ذلك الرقم عله يجده في وضع إستخدام لكنه كان دائما مغلقا.
وبعد حوالي أربع ساعات، عاد سامي إلى المنزل.
وحينما دخل، وجد عمته بالمطبخ، ووجد معتز في قاعة الجلوس، يلعب، فقام سامي باحتضانه وكأنه لم يره منذ أيام، عندها قال معتز: انظر ياأبي لقد وجدت هذا الهاتف الأحمر على الكنبة، هل بإمكاننا الإتصال بأمي من خلاله؟
غص قلب سامي بالألم، وكادت دموعه أن تسبقه، لكنه تدارك نفسه وأخذ الهاتف من عند معتز، ثم إتجه نحو المطبخ حيث عمته.
-عمتي هل هذا هاتفك؟
-لا يابني، هاتفي في محفطتي لم أخرجه.
إذا لمن هذا الهاتف، سأل سامي نفسه متمتما وهو عائد نحو قاعة الجلوس حيث مازال معتز يلعب، وقد خالجه شعور بالقلق حيال هذا الهاتف...
إلتفت سامي إلى معتز سائلا:
_أين وجدت هذا الهاتف يا بني؟
_لقد وجدته على تلك الكنبة يا أبي، هل يمكنني الإحتفاظ به...
قام سامي بفتح ذلك الهاتف، وما إن فتحه، حتى وصلت رسالة على هاتفه الشخصي، تخبره بأن ذلك الرقم الذي حاول الإتصال به مرارا، قد اصبح متاحا الآن وبإمكانه الإتصال به. فقام فورا بالإتصال بذلك الرقم.
حينها إزدادت دهشة سامي وحيرته حيث رن ذلك الهاتف الاحمر الذي كان بيده الأخرى، وظهر رقمه الشخصي على شاشته.!!!
دون إطالة التفكير، إتجه سامي نحو المطبخ من جديد وقد تلاعبت الحيرة والشكوك بجميع مداركه وسأل عمته، إن كان قد جاء أحد في غيابه، فردت:
_نعم لقد أتى محمود الذي كان يعمل عندك في المحل، ودخل ليقبل معتز، ثم أخبرني أنه سيعود لاحقا للقائك، وجاء ساعي البريد، يحمل رسالة إليك من شركة التأمين، وجاء أيضا أخوك أنيس، فلاعب معتز قليلا ثم أرسلته أنا إلى منزلي ليحضر لي معطفي ثم سيعود إلينا لنتناول الغداء معا.
إزدادت الشكوك في مخيلة سامي وراحت تحمله بين ثنايا البحث والتأويل....ثم قام بالإتصال بالشرطة، وحدثهم بماحصل معه، فأخبروه بانهم سيكونون بمنزله بعد قليل...
وصلت الشرطة في غضون دقائق، أخذ أحدهم الهاتف منه، وقام برفع البصمات التي يحملها، ثم طلبوا منه ان يعطيه لأول شخص يأتي إما محمود أو أنيس وأن يقول له بأنه نسي هاتفه هنا عندما قدم وأنه لم يفتحه وان يحاول أن يبقى بارد الأعصاب. فيما يكون أفراد الشرطة مختبئين في غرفة أخرى ومتابعين لما سيجري...
مضت نصف ساعة تقريبا، ثم عاد أنيس حاملا معه معطف العمة بثينة، فقام بتحية سامي وجلس معه في قاعة الجلوس، تحدثا قليلا حيث سأل أنيس عن تطورات القضية والبحث فأخبره سامي بأنه ليس هناك أي جديد حتى الآن. ثم أخرج هذا الاخير الهاتف وسأل أنيس:
_أنيس لقد وجد معتز هذا الهاتف المغلق، فهل تراه لك؟
تلعثم أنيس للحظات، ثم سأل سامي: هل فتحته؟
_لا لم أفتحه، هل هو لك؟ لقد ظننت انه لك فلم أرد فتحه، أجاب سامي في هدوء.
حينها بدت علامات الإرتياح بادية على وجه أنيس وقال:
_آه نعم إنه هاتفي، لابد أنه أغلق لنقص في الشحن، ولابد أنني أسقطته عندما كنت ألعب مع معتز حين أتيت منذ قليل.
إنقلبت حيرة سامي وشكوكه إلى صدمة فقد عرف القاتل الذي دمر له حياته وهو بجلس أمامه الآن.
مرت لحظات في ذلك الموقف، مرت وكأنها سنوات على سامي راجع خلالها تاريخ علاقته مع أخيه غير الشقيق أنيس، فهذا الأخير هو أخوه من الأب فقط، وعندما توفي أبوهما كانت جميع الأوراق التي تثبت نسب أنيس عند سامي فقام هذا الأخير بإتلافها، ورغم معرفته بأن أنيس هو أخوه إلا انه أنكر ذلك أمام العالم، وكل ذلك من أجل أن يستحوذ وحده على ميراث أبيه وهو ماتم فعلا.
ثم سافر بعد ذلك أنيس إلى أوروبا، حيث إختفى لعدة سنوات، وعاد فقط منذ سنتين حيث تقرب خلال تلك الفترة من سامي وأوهمه بأنه نسي ماكان بينهما من مشاكل...
بعد تلك الثواني المعدودة، تدخل رجال الشرطة وقاموا بإلقاء القبض على أنيس، الذي لم يبد أية مقاومة ولم تبد عليه علامات الدهشة.
وعندما همت الشرطة بإخراج أنيس، تقدم منه سامي قائلا:
_أ كل هذا من أجل المال؟
فأجاب أنيس: كل هذا من أجل الإنتقام، قبل أن أهاجر منذ سنوات أخبرتك أنني سأنتقم، وأنني لن أسامحك ماحييت، لقد حرمتني حقي، وأجبرتني على قضاء أجمل سنوات عمري في الغربة، هناك دخلت السجن وتوفيت أمي حرقة وشوقا لي، ولم أستطع حتى ان أحضر جنازتها وكنت كل يوم أزداد كرها ونقمة عليك...

إرسال تعليق

Post a Comment (0)