معادلة النّجاح -المهارة VS الحظّ!


عندما نحقق النجاح في حياتنا ، فإننا ننسب هذا النجاح إلى المهارة أو الى العمل الشاق. في المقابل, عندما يحدث شيء خاطئ ونفشل ، فإننا نعزو ذلك إلى سوء الحظ.
وأنا أعلم أنّ معظمنا يفعل هذا طوال الوقت. 


و هذا لا يحدث في مجال الاستثمار و ريادة الاعمال فقط , فسواء تعلق الامر بعلاقاتنا او بعملنا او بدراستنا , نحاول تعليق اخفاقاتنا و انجازاتنا الناجحة ايضا على شماعة الحظّ او المهارة و العمل الدؤوب. 

إنه أسهل من الإقرار بأن هناك بعض الحظ  في انتصاراتنا ونقص في المهارات في ما يخصّ خسائرنا. وهذا ما يُعرف باسم التحيز الذّاتي.

في الأعمال التجارية ، والاستثمار من الصعب التمييز بين الحظ و المهارة. هذا ما حاول مايكل ماوبوسين القيام به في كتابه الممتاز ، "معادلة النجاح: فك تشابك المهارة والحظ في الأعمال والرياضة والاستثمار".

واحدة من أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في هذا الكتاب هو كيف ينسج افكاره Mauboussin بسلاسة من خلال عوالم الأعمال والاستثمار والرياضة. يحتوي الكتاب على مخطط يُظهر أين تقع بالتحديد بعض الأنشطة , أي هل يمكن تصنيفها حسب مقياس الحظ أوالمهارة؟ 

في جانب لدينا , الحظّ الصِّرْف أو المحض هو بمثابة المقامرة. لذلك حتى لو كان لديك نوع من الإستراتيجية عند لعب الروليت أو العاب القمار ، بناء على الاحتمالات ، فالانتصارات الكبيرة مدفوعة من الحظ. لا يمكنك أن تخسر عن قصد عند المقامرة ، لذلك هي تعتمد بالاساس على الحظ الصافي.

على الجانب الآخر نجد (المهارة الصّرفة او المحضة) ،لنأحذ لعبة الشطرنج على سبيل المثال , هذه اللعبة تستغرق عدة ساعات أو حتى سنوات لإتقانها وسيكون من الصعب للغاية الفوز على خصم ماهر من خلال الحظ وحده. عندما يكون بامكانك أن تخسر في الشطرنج عن قصد ، حينها فقط ستعرف أن هناك مهارة ما قد قد استثمارها للقيام بذلك .

بالنسبة للجزء الأكبر ، يمكن تحديد مهارة فريق رياضيّ ما من خلال عدد الاهداف او العلامات التي تحصّل عليها على مدار المباراة.

حقق فريق الترجي الرياضي التونسي عددًا كبيرًا من الانتصارات في مسيرته  إذا ما قارناه بغيره من المنافسين في الساحة، لذا فهو من الناحية الفنية الأكثر تأثراً بالمهارة بين جميع الفرق المقابلة لهذا السبب عادةً ما يفوز الفريق الذي يملك أفضل لاعب باللقب ..

لكن إذا ما لعب فريقان يتميزان نوعا ما بنفس مستوى المهارة فإنّ الحظّ يمكن ان يلعب دورا هاما .
 لنفهم ذلك جيدا , فكر في عدد من أفضل لاعبي الترجي مثل معزّ بن شريفية , سامح الدربالي , الخنيسي , البلايلي , او غيرهم .. في مقابل عدد من افضل لاعبي النادي الاهلي المصري مثل محمد الشناوي , مروان محسن , وليد سليمان او غيرهم.. على مدار المباراة ، يتم تفسير 90٪ من أداء الفريق عن طريق المهارة التي يحظى بها هؤلاء المحترفين .. لذا , فإنّ الحظّ يتدخل بشكل او باخر بغض النظر عن مدى ضآلة ذلك التدخّل.
 ففي كرة القدم لا يمكن ان نتحدّث عن مهارة صرفة او حظّ محض. 

لنتحدّثا لان عن الاستثمار , ستلاحظ أن الاستثمار يقع في الواقع بالقرب من جانب الحظ في هذه المعادلة. هذا ليس لأن الاستثمار عشوائي تمامًا أو مشابه للعبة القمار.

نحن نعلم أن الاستثمار ينطوي على قدر كبير من الحظ ، لأنه لا يوجد خبراء يستطيعون التنبؤ باستمرار بالوتيرة الذي تسير عليها الأسواق. وهذا يعني أن العديد من المعاملات في السوق تنطوي على الكثير من الحظ.


بالطبع ، كما يشير Mauboussin في الكتاب:

هناك فرق بين القول إن النتيجة الايجابية قصيرة الأجل التي حققها مدير الاستثمار (أ) في احدى معاملاته هي في الغالب بسبب الحظّ, و القول بأنّ المعاملات قصيرة الاجل هي محظوظة دائما. في الحقيقة فيما يتعلق بالاستثمار فإنّ ما يكون محظوظا اليوم يمكن ان يخفق غدا و هكذا.. لا شيء يمكن توقّعه.

تشير الأبحاث إلى أن معظم المديرين النشطين يحققون عوائد أعلى من المؤشر المرجعي اجمالا ، ولكن تلك العوائد الزائدة يقابلها رسوم و مصاريف، مما يترك للمستثمرين عوائد صافية أقل من تلك المحددة في المؤشر المرجعي.

وهذا يعني أنه لا يوجد في الحقيقة سوى عدد صغير من المستثمرين الذين لديهم المهارة اللازمة لتحقيق عوائد تزيد على الرسوم المدفوعة. هذا هو السبب في أن النفقات مهمة جدًا لأدائك بشكل عام فهي تشكّل مقياسا للتّقدّم الذي تحرزه مع كلّ عمل استثماريّ تقوم به. 

هذا يعني أنك ببساطة  لا يجب ان تتخلى عن جميع الأنشطة التي تحتوي على قدر كبير من الحظ والفرصة.عليك فقط التفكير على المدى الطويل واستخدام الاحتمالات لصالحك.
يقول Mauboussin حول كيفية تغيير حظك:

بالنسبة للأنشطة التي تقع بالقرب من جانب الحظ ، فإن الاستراتيجية الجيدة هي الطريق الأضمن للنجاح على المدى الطويل.

هذا أمر منطقي ولكن عليك أن تكون صبورًا في عملية طويلة الأمد وأن تستخدم الكثير من النظام و التعلّم واستشارة كبار المستثمرين ايضا.

وفيما يتعلق بالاستثمار ، فإن الأداء الجيد في المدى القصير لا يخبرك كثيرًا بمهاراتك لأنه لا يمكنك الحصول على التحليل الأمثل أو الأسباب الكامنة وراء قراراتك ، ولا تزال الأسواق تعارضك. 

في هذا السيناريو ، أيُّ مستثمر سيحقق المزيد من النجاح على المدى الطويل؟ شخص واحد فقط و هو الذي يملك خطّة عقلانية ، بطبيعة الحال. كلما حاولت أن تتطاول على الحظ  و تندفع في عمليّات غير مدروسة، كلما زادت فرصتك في الخسارة.

ولكن ابتكر خطّة او استراتيجية تنطوي على احتمالية كبيرة للنجاح ,وعلى إطارات زمنية متعددة ايضا، والتي يمكنها في النهاية أن تُظهرالنتائج المرضيّة ، حتى لو كانت هناك انتكاسات خلال فترات زمنية أقصر. هذا هو السبب الذي يجعل الاستثمارات طويلة المدى ناجحة. 
أحد المفاهيم الرائعة في هذا الكتاب هو مفارقة المهارات ،وتعني أنه مع اقتراب مستوى المهارات لدى المشاركين في نفس النشاط ، يلعب الحظ دورًا أكثر أهمية في تحديد من سيفوز. هذا بالفعل مفهوم مثير للاهتمام .

لمعرفة المزيد عن الاستثمار و لاكتساب المهارات اللازمة في هذا المجال أقترح عليكم واحد من أفضل الكتب التي قرأتها هذا العام وهو كتاب المستثمر الذّكيّ , لقد غيّر هذا الكتاب تمامًا الطريقة التي أنظر بها للمال و الاستثمار و الاسواق .لذا فإنه بالتأكيد سيحظى بإعجابكم.

إرسال تعليق

Post a Comment (0)